قيام الليل

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ أَعْظَمِ العِبَادَاتِ الَّتِي تَقَرِّبُ العَبْدَ إِلَى رَبِّهِ، وَتُزَكِّي نَفْسَهُ، وَتُعَلِّي دَرَجَاتِهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ تُبَيِّنُ فَضْلَ قِيَامِ اللَّيْلِ وَأَهَمِّيَّتَهُ.

فَمِنَ الكِتَابِ العَزِيزِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. فَفِي هَذِهِ الآيَةِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَهُوَ أَمْرٌ لِأُمَّتِهِ بِالتَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَرْفَعَ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ مَقَامًا مَحْمُودًا، وَهُوَ مَقَامٌ عَظِيمٌ يَغْبِطُهُ عَلَيْهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ.

وَفِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَكِّدُ فَضْلَ قِيَامِ اللَّيْلِ. فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ». فَفِي هَذَا الحَدِيثِ تَرْغِيبٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَتَقْدِيرٌ لِقَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ النَّاسِ قِيَامًا لِلَّيْلِ، حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ مِنَ الوُقُوفِ فِي الصَّلَاةِ. فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا». فَفِي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ لَيْسَ فَقَطْ لِكَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، بَلْ هُوَ أَيْضًا لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشُّكْرِ لَهُ عَلَى نِعَمِهِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». فَهَذَا الحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ فِي اللَّيْلِ وَقْتًا خَاصًّا تُسْتَجَابُ فِيهِ الدَّعَوَاتُ، وَيُقْبَلُ فِيهِ التَّضَرُّعُ وَالابْتِهَالُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُعَظِّمُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ أَهَمِّ العِبَادَاتِ. فَكَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ يُصَلُّونَ وَيَقْرَأُونَ القُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانُوا يَرَوْنَ فِيهِ رَاحَةَ القُلُوبِ وَطُمَأْنِينَتَهَا. فَقِيَامُ اللَّيْلِ لَيْسَ فَقَطْ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، بَلْ هُوَ أَيْضًا عِبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ تُذَكِّرُ العَبْدَ بِرَبِّهِ وَتُرَبِّي فِيهِ خَشْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى.

 

Author: ibn alislam

اترك تعليقاً