خطبة في استقبال رمضان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مَبَارَكٌ، شَهْرٌ تَفُوحُ مِنْهُ رَوَائِحُ الْجِنَانِ، وَتَتَزَيَّنُ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، شَهْرٌ جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوسِمًا لِلْخَيْرَاتِ، وَمَيدَانًا لِلْمُنَافَسَاتِ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اسْتِقْبَالَ رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِقَلْبٍ مُخْبِتٍ، وَنَفْسٍ مُتَأَهِّبَةٍ، وَعَزْمٍ صَادِقٍ عَلَى اغْتِنَامِ هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ. فَرَمَضَانُ لَيْسَ شَهْرَ طَعَامٍ وَشَرَابٍ فَقَطْ، بَلْ هُوَ شَهْرُ قُرْآنٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ، شَهْرُ تَوْبَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ، شَهْرُ صَدَقَاتٍ وَأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَالتَّوْبَةُ هِيَ الْبَابُ الْأَوَّلُ لِدُخُولِ هَذَا الشَّهْرِ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ، وَنَفْسٍ طَاهِرَةٍ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]. فَلْنُسْرِعْ إِلَى التَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ رَمَضَانُ، وَلْنُطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَلْنَعْفُ عَنْ مَنْ ظَلَمَنَا، وَلْنَسْعَ فِي صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِنَا.

ثُمَّ لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْعَزْمِ عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، فَالصِّيَامُ لَيْسَ امْتِنَاعًا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ امْتِنَاعٌ عَنِ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَالْجِدَالِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]. فَلْنَعْقِدْ عَزْمَنَا عَلَى أَنْ نَكُونَ مِنَ الصَّائِمِينَ الْحَقِيقِينَ، الَّذِينَ يَصُومُونَ بِأَبْدَانِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَهُوَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مَا نَقْرَأُ فِيهِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]. فَلْنَجْعَلْ لَنَا وِرْدًا يَوْمِيًّا مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَلْنُحَاوِلْ خَتْمَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَلْنَتَدَبَّرْ آيَاتِهِ، وَلْنَعْمَلْ بِأَحْكَامِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْجُودِ وَالْإِحْسَانِ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ. فَلْنُكْثِرْ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَلْنُسَاعِدْ الْمَحَاجِينَ وَالْفُقَرَاءَ، وَلْنُشَارِكْ فِي إِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِينَ، وَلْنَكُنْ يَدًا وَاحِدَةً فِي نُصْرَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْقِيَامِ وَالذِّكْرِ، فَقِيَامُ اللَّيْلِ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ سَائِرِ الشُّهُورِ، وَذِكْرُ اللَّهِ فِيهِ أَعْظَمُ أَجْرًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. فَلْنُحَافِظْ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي تَقْرُبُنَا إِلَى اللَّهِ، فَفِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3]. فَلْنَجْتَهِدْ فِي الْعِبَادَةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلْنَدْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِيهَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْعَتَقَاءِ مِنَ النَّارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْحَذَرِ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْنَا صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا. فَلْنَعْتَصِمْ بِاللَّهِ، وَلْنَسْتَعِذْ بِهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْنَجْعَلْ هَذَا الشَّهْرَ فُرْصَةً لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ، وَلِلْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْفَرَحِ وَالْبِشْرِ، فَهُوَ شَهْرُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، شَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. فَلْنَفْرَحْ بِهَذَا الشَّهْرِ، وَلْنَسْعَ فِي اغْتِنَامِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْعَزْمِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْخَيْرِ بَعْدَهُ، فَلَا يَكُونُ رَمَضَانُ مَحَطَّةً نَنْتَهِي عِنْدَهَا، بَلْ مَحَطَّةً نَبْدَأُ مِنْهَا رِحْلَةَ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ. فَلْنَجْعَلْ هَذَا الشَّهْرَ بَدَايَةً لِحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ مَلِيئَةٍ بِالْخَيْرِ وَالْبِرِّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِلتَّغْيِيرِ وَالتَّحْسِينِ، فَلْنَسْتَغِلَّ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، وَلْنَعْمَلْ عَلَى تَزْكِيَةِ أَنْفُسِنَا، وَتَحْسِينِ أَخْلَاقِنَا، وَتَقْوِيمِ سُلُوكِنَا. فَلْنَكُنْ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَفْضَلَ مِمَّا كُنَّا، وَلْنَسْعَ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْدُّعَاءِ، فَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، وَهُوَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]. فَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَلْنَدْعُ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا، وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَأَنْ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْعِبْرَةِ وَالِاعْتِبَارِ، فَإِنَّ الْحَيَاةَ قَصِيرَةٌ، وَالْأَيَّامَ سَرِيعَةٌ، وَرَمَضَانُ يَأْتِي وَيَذْهَبُ، فَلْنُحَافِظْ عَلَى كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْهُ، وَلْنَعْمَلْ فِيهِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الْجِهَادِ وَالنَّصْرَةِ، فَلْنَكُنْ فِيهِ أُمَّةً وَاحِدَةً، نُدَافِعُ عَنْ دِينِنَا، وَنُنَاصِرُ إِخْوَانَنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَلْنَكُنْ يَدًا وَاحِدَةً فِي نُصْرَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلْنُسَاعِدْ فِي إِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِينَ، وَلْنَكُنْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْفَهْمِ الصَّحِيحِ لِحَقِيقَتِهِ، فَلَيْسَ رَمَضَانُ شَهْرَ الْكَسَلِ وَالْخُمُولِ، بَلْ هُوَ شَهْرُ الْجِدِّ وَالْعَمَلِ، شَهْرُ الْإِقْدَامِ وَالْعَطَاءِ. فَلْنَكُنْ فِيهِ نَشِيطِينَ فِي الْعِبَادَةِ، مُجِدِّينَ فِي الْعَمَلِ، مُبَادِرِينَ إِلَى الْخَيْرِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَسْتَقْبِلْ رَمَضَانَ بِالْقَلْبِ السَّلِيمِ، وَالنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، وَالْعَزْمِ الْقَوِيِّ، وَلْنَعْمَلْ فِيهِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

Author: ibn alislam

اترك تعليقاً