الصِّيامُ من أفضل العبادات، اختصَّه الله تعالى لنفسِه، فقال عزَّ وجلَّ: “كلُّ عمَلِ ابن آدم له إلاَّ الصِّيامُ، فإنه لي وأنا أجزِي به“. فهو سرٌّ بين العبد وربه، لا يظهر إلاَّ له، فلذلك صار مختصًّا به. يتمثل فيه عنصر المراقبة الصَّادقة في ضمير المؤمن؛ فلا يمتنع من شهواته ويقاومها إلاَّ لأنه يراقب ربَّه ويخشَاه، ويمكنه أنْ يأكلَ ويشربَ حيث لا يراه أحدٌ، ولكنه يعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ يراه، فيذعن لأمره، ويكفّ من أجله.
وهو في اللغة: الإمسَاك عن الشَّيء، والتَّرك له. وقيل للصَّائم صائمٌ؛ لإمسَاكه عن المطعم، والمشرب، والمنكح.
وشرعًا: الإمساكُ عن الأكلِ، والشُّربِ، والجماعِ، وسَائر المفطراتِ، من طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشَّمسِ بنيَّةِ التقرُّب إلى الله تعَالى.
وقد ثبتتْ فرضيَّةُ صيام رمضان بالكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: â يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”á [البقرة : 183].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله r قال: “بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله، وإقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وحجِّ البيت، وصومِ رمضَان“.
وأجمعَتْ الأمَّة على وجوب صيام رمضان، وفرضيته على العينية على جميع المسلمين المكلَّفين.
وقد فُرِضَ الصيام في المدينة المنورة في السنة الثانية من الهجرة. وتوفي رسول الله r وقد صام تسع رمضانات.
وقد شُرِعَ الصِّيامُ على ثلاث مراحِل.
المرحلة الأولى: مرحلة التخيير. أي تخيير المكلَّف المطيق للصَّوم بين الصِّيَام، وهو الأفضل، وبين الإفطار مع الفدية، وهي إطعامُ مسكين. فقال تعالى: â وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلونá [البقرة : 183-184].
المرحلة الثانية: مرحلة الفرض والواجب. أي بفرضية الصوم ووجوبه، ونسخ ما كان منَ التخيير. فقال تعالى: âفمن شهد منكم الشهر فليصمهá [البقرة : 185]. وفي الصَّحيحين عن سلمة بن الأكوع، قال: “لما نزلت: âفمن شهد منكم الشهر فليصمهá [البقرة : 184]، كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها”.
المرحلة الثالثة: مرحلة الإلزام مع التَّخفيف. فقد كانوا يأكلون ويشربون ويباشرون نساءَهم ما لم ينامُوا، أو يصلُّوا العشَاء، فإذا ناموا، أو صلُّوا العشَاء، لم يجزْ لهم شيءٌ من ذلك إلى الليلة القابلة. فشقَّ ذلك عليهم، وشكَوْا ذلك إلى النبيِّ r، فأنزل الله الآية الكريمة: â أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم á [البقرة : 187].
وقد شرع الله عز وجل الصِّيامَ لحكمٍ عظيمة، ومصالح كثيرة، وفوائد جليلة، من ذلك:
- تدريب النفس على ابتغاء وجه الله تعالى بالخضوع لما أمر الله تعالى به، وتطهير النفس بالامتناع عما نهى الله تعالى عنه وزجر، وكمال العبودية لله تعالى ولو أدى ذلك إلى حرمان النفس من شهواتها.
- تدريب الإنسان على الطبيعة المزدوجة من الطين و ففي الصيام مجاهدة النفس على ما يرضي الله تعالى، وتزكية النفس وتهذيبها، وتطهيرها من الأخلاق الرديئة كالشَّرِّ والشحِّ والبخل ونحوها، وتدريبها على فضائل العفو والجود وطاعة الله تعالى.
- في الصوم مجاهدة النفس على فعل ما يرضي الله تعالى، وتطهير النفس وتهذيبها وتعويدها على الأخلاق الكريمة كالعفو والسخاء والصبر ونحو ذلك. والصبر نوعان: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، والصبر على طاعة الله. والصوم مثال لكليهما. ولهذا سمي شهر رمضان شهر الصبر.
- أنَّ الصَّومَ جُنَّةٌ، أي درعًا واقيةً من الإثم في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وفي الحديث: “الصَّومُ جُنَّةٌ من النار، كجُنَّةِ أحدكم من القتال”.
- للصَّومِ تأثيره في كسر الغريزة الجنسيَّةِ، والتي هي من أخطر أسلحة الشيطان في إغواء الإنسان، ولهذا وصفَه النبيُّ r للشَّبابِ الذي لا يجد نفقَات الزَّواج، حتى يغنيَه الله من فضْلِه، فقال r: “يا معشرَ الشَّباب من استطاعَ منكم الباءة فليتزوَّج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفَرْج، ومن لم يستطعْ فعليه بالصَّوم، فإنه له وِجَاء”.
- ومن حكم الصيام أن يستشعر الصائم نعم الله عز وجل، فإن الصائم عندما يألف النعم يفقد الإحساس بقيمتها، ولا يعرف قدر النعم إلا عند فقدها، ولا يشعر المرء بنعمة الشبع والري إلا عند الجوع أو العطش، وعندما يشبع بعد جوع أو يشبع بعد عطش يحمد الله تعالى من أعماق قلبه ويصبح شاكراً لفضله.
- كما أن الصوم يخلق نوعاً من المساواة القسرية في نفس الغني والغني, الإحساس بمعاناة الفقراء والمحرومين، وعندما يشعرون في وقت من الأوقات بألم الجوع، يتذكرون دائماً من هم في هذه الحالة، فتتفجر الرحمة والشفقة تجاههم.
- وشهرَ رمضَان فرصَةٌ في كلِّ عامٍ للتقرُّبِ إلى الله تعالى بأنواع القربات، وتعرُّضِ الإنسان لنفحات ربه فيه، ونوالِ المغفرة، والعتقِ من النار. روى الشيخان في الصحيح عن أبي هريرة t عن رسول الله r: “من صَامَ رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدر إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه”.
- وكثيراً ما يشير الأطباء إلى الفوائد الصحية للصيام. وتشمل هذه الفوائد تطهير الأمعاء من السموم التي تفرزها المعدة ومنع تراكم الدهون في المعدة. وبالصيام يجدد حياة الإنسان بتجديد الخلايا وإراحة المعدة والجهاز الهضمي وحمية الجسم وإزالة الفضلات المتراكمة والطعام غير المهضوم.