الاحتفال برأس السنة الميلادية
إعداد
زاهــر بن مــحــمــد الـشـهـري
إمام وخطيب جامع عائشة رضي الله عنها
بالخبر
عباد الله: إن دين الإسلام بدأ في الناس غريباً؛ حيث كان الناس في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ولا يعرفون حقاً أو باطلاً، ولا يميزون بين هدى وضلال؛ فمنَّ الله -عز وجل- على البشرية ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- بشيراً ونذيراً، وهادياً إلى صراط الله المستقيم، وسبيله القويم.
فبصر الله به من العمى، وهدى به من الجهالة، وأضاء للناس ببعثته طريقه القويم وصراطه المستقيم, وما ترك خيراً إلا دل الأمة عليه، ولا شراً إلا حذرها منه، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حديثه الصحيح: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء“.
بدأ الإسلام غريباً: أي أن القلوب تستنكره، والناس لا يعرفونه؛ لامتلاء قلوبهم بالضلالة وعمارة أوقاتهم بالجهالة؛ فلا يعرفون ديناً، ولا يميزون بين حق أو باطل، أو هدى أو ضلال, ثم أخبر -عليه الصلاة والسلام- أن الدين سيعود غريباً كما بدأ وذلك -عباد الله- عند اندراس معالمه وقلة دراية الناس به وعلمهم به.
وهذا يدل على أن القلوب تتحول والنفوس تتغير؛ فيصبح في كثير من الناس عدم دراية بالعلم وعدم فقه بشرع الله تبارك وتعالى؛ فتكون القلوب ليست تلك القلوب، وتكون النفوس ليست تلك النفوس؛ بسبب ما خيم عليها من الجهل، وبسبب بعدها عن دين الله -تبارك وتعالى-؛ روى الطبراني في معجمه بسند ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ليأتين على الناس زمان تكون فيه القلوب قلوب الأعاجم“ والمراد بالأعاجم -عباد الله- أعداء دين الله؛ من اليهود والنصارى وغيرهم من أرباب الكفر والضلال، فقلوب أولئك -عباد الله- ليس فيها إلا الضلال والباطل، وهنا يخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه يأتي على الناس زمان تكون فيه القلوب قلوب الأعاجم؛ بسبب عدم الفقه في دين الله،
وكثرة الجهل، واتجاه النفوس إلى التشبه بالكفار وتقليدهم في أفكارهم ومعتقداتهم وأعيادهم وعاداتهم وألبستهم وغير ذلك من شؤونهم، وهي حال بئيسة -عباد الله- يتعوذ المسلم الناصح لنفسه منها، أو من التلوث بها؛ أعاذنا الله وأعاذكم وحمانا وحماكم.
أما بعد: أيها المسلمون، إذا زاغ المسلمون عن طريق الحق لعبت بهم الأهواء، وساقتهم حيث تشاء، وإذا انحرفوا عن أخلاق الإسلام وفرطوا في قيمهم حلت بهم المصائب والأدواء، وسلكوا طرق الضلال والإغواء، وانهزموا وتسلط عليهم الخصوم والأعداء، وكان مصيرهم التأخرَ والهامشية والانزواء، والسير في ركاب الغالبين الأقوياء. وإن المتأمل في واقع المسلمين اليوم يرى ذلك تماما، وتظهر له هذه الحقائق جلية.
أيها المسلمون، إن الله عز وجل هدانا صراطا مستقيما، وهو صراط الصفوة الأخيار من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وجاءت شريعة الإسلام لتقيم لنا هديا مخالفا لهدي الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فشريعتنا متبوعة لا تابعة، وناسخة لا منسوخة، قال الله عز وجل في سورة الجاثية: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18]،
والمسلم الذي يصلي لربه عز وجل يدعوه في كل ركعة أن يدُلّه ويُثَبّته على هذا الصراط وفي نفس الوقت يشارك النصارى في احتفالاتهم وعاداتهم ويكون صنيعه هذا منافيا لما قررته الآيات الكريمة من سورة الفاتحة ( ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ[سورة الفاتحة:4-7]
ويكون متناقضا مع قوله وفعله، وكاذبا في ادّعائه، وفيه نفاق وخلل في التصور، فهو يصلي ويصوم، ولكن إذا حل رأس السنة الميلادية تبع النصارى وفرح معهم وأقبل عليهم بالوجه الذي يرضيهم، قال النبي ) إن شرّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه( رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وإن الله سبحانه نهانا أن نميل ونركن إلى الذين ظلموا وحادُوا عن سبيله ونشاركَهم في ضلالهم وفجورهم، حتى لا يصيبنا ما يصيبهم، فقال العلي الأعلى سبحانه في سورة هود: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ [هود:113]
ومشابهة الكفار في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان كما قال تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [المائدة:51] وقال سبحانه: لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]
ولذا لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن يتشبه بأعداء الله أو أن يهنئهم بأعيادهم، فضلاً على أن يحتفل بها، لأنها إثم ومجاوزة لحدود الله، والله تعالى يقول: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ [المائدة:2].
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى -: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق؛ مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات،
وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج المحرم ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه” اهـ
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبات حرام لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبات، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ من تشبه بقوم فهو منهم “
وقال العلامة ابن عثيمين: “ من فعل شيئا من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم ”
وإن مِن صور المشاركة بأعيادهم والتي لا تجوز وقل من يتنبه لها هو أن بعض أصحاب المحلات التجارية يضع بعض الزينات أو التخفيضات، أو أية دعاية بهذه المناسبة.
أيها المسلمون، كان رسول الله يحرص كل الحرص على أن تخالف أمته اليهود والنصارى في كل شيء، حتى قال عنه اليهود أنفسهم: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! رواه مسلم عن أنس.
وإننا لندرك بوضوح أن فئاما ممن يتشبهون بالكفار، في أفكارهم أو لباسهم أو سلوكهم أو عاداتهم، أنهم تميل نفوسهم إلى حبهم وتقديرهم والإعجاب بهم، ومن هنا ينجح أهل الكفر، في أن يروجوا بين المسلمين دعوات مدوية يكون لها رجع الصدى في بعض النفوس المريضة، تهدف إلى إذابة الشخصية الإسلامية، حتى إن المنكر لهم يسمى انعزاليا وانطوائيا، بل ورجعيا ضيق الأفق، معزولا عن العالم، يجب أن يموت في مهده ـ زعموا ـ.
ألا فاتقوا اللهَ ـ عبادَ اللهِ ـ في أنفسكم فألزموها بطاعةِ اللهِ، وأبعدوها عن معصيتهِ، وحُثوا زوجاتِكم وأولادَكم على الالتزام بأحكام الشرع، وساعدوهم على ذلكَ، وازجروهمْ عن ارتكـاب المعاصي.
نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين، وبحديث نبيه الصادق الأمين.
الخطبة الثانية
إن ديننا -أيها الأخوة-، غني بالعقيدة الصحيحة، والشريعة العادلة، والأخلاق الفاضلة، والقدوة الحسنة، متضمن لهداية البشرية كلها إلى طريق الرشاد، وحصول السعادة العاجلة والآجلة، في الدنيا والآخرة؛ فهو دين عالمي، صالح لكل زمان ومكان، ولكل فرد، ولكل أمة، ولكل جيل، قال تعالى: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ([الإسراء: 9]، وقال تعالى:( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) [الفرقان:1] وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء:107]
أيها المسلمون: لما تمسك المسلمون الأوائل بهذا الدين سادوا العالم، وفتحوا البلاد شرقاً وغرباً، وملؤها بالعلم والحكمة والعدل، وصاروا أئمة يقتدى بهم أعزة يخافهم عدوهم، أغنياء عما سوى الله، يجودون بالخير على البشرية،
وما ذاك إلا لأن هذا الدين تنزيل من حكيم حميد، ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الملك:14]
ولما ضعفت صلة المسلمين بدينهم، وركنوا إلى غيرهم – صار حالهم في ذيل القافلة، واعتمادهم على غيرهم، يعني التبعية لهم، والتشبه بأعدائهم، من الكفار والمنافقين وغيرهم، قال الله تعالى:( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)) الأعراف:3] وقال تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:113].وقال تعالى:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) الحشر:19)
أيها المؤمنون، يا أتباع محمد ، اعتزوا بدينكم، وارفعوا به رؤوسكم، أينما كنتم، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، كما قال سبحانه) وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]. وقال -عز وجل) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].
المؤمن سعيد بإيمانه؛ وإن أعطي من الدنيا شيئاً فهو في زيادة خير، وعون على الطاعة، وإن لم يعط منها فما عند الله خير له وأبقى. والمؤمن سعيد في الدنيا والآخرة؛ سعيد في الدنيا؛ لأنه استفاد من حياته فيها بالأعمال الصالحة، وسعيد بالآخرة؛ لأنه فاز بالجنة الباقية، خالداً فيها.
والكافر شقي في الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين؛ فهو شقي في الدنيا؛ لأنه لم يستفد منها، إلا إبعادا لنفسه عن الله وعن جنته، وشقي في الآخرة، لأن مأواه النار خالداً فيها وبئس المصير..
اللهم احفظ أعز الإسلام والمسلمين …،
اللهم انصر عبادك المحتسبين، واخذل المنافقين يا رب العالمين…
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.
اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
Share this content: