الرحلة في طلب العلم- البخاري نموذجا

كانت همة الإمام البخاري عالية، حيث رحل في طلب الحديث إلى جميع الأمصار، وسمع من كلّ معاصريه من علماء الحديث؛ حتى انتخب صحيحه من بين ستمائة ألف حديث، سمع الحديث ببلده بخارى، ثم رحل في طلب هذا الشأن إلى جميع محدثي الأمصار، وسمع الكثير، وأخذ عنه الحديث خلقٌ كثيرٌ في كل بلدة حدّث بها، روى عنه الترمذي في جامعه كثيرًا ومسلم في غير صحيحه، قال الفربري: سمع كتاب البخاري منه تسعون ألف رجل، قال البخاري: خرجت كتابي الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت فيه إلا صحيحًا، ما وضعت فيه حديثًا حتّى اغتسلت وصليت ركعتين لكل حديث قبل أن أثبته. وعن بعض المشايخ أنّ البخاريّ دوّن تراجم كتابه في الرّوضة يغتسل ويصلي لكل ترجمة([1]).

وقيل للبخاري: كيف كان بدؤك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظه وأنا في الكُتَّاب، ولي عشر سنين تقديرًا، ثمّ اختلفت إلى الداخلي وغيره، وقال يومًا فيما يقرأ للنّاس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثمّ خرج، فقال: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير عن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأصلحه، وقال: صدقت. فسئل البخاريّ: ابن كم كنت يومئذٍ؟ قال إحدى عشرة سنة. قال: وحفظت كتب ابن المبارك ووكيع وأنا ابن ست عشرة سنة، وخرجت إلى الحج، وجاورت في طلب الحديث وصنّفت التأريخ وأنا ابن ثماني عشرة سنة عند قبر النّبي صلى الله عليه وسلم، وقلّ أن يكون فيه اسم إلاّ وله عندي قصّة حققت بذكرها، وصنّفته ثلاث مرات، وقال الفربري: سمع كتاب البخاريّ تسعون ألف رجلٍ ما بقي منهم غيري، وقال محمّد البخاري بخوارزم: رأيت أبا عبد الله في المنام يمشي بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرّى مواضع قدميه([2]).

([1]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، (1379هـ)، هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات: عبد العزيز بن باز، ص 7-10.

([2]) ابن المنير، أحمد بن محمد بن منصور ناصر الدين (المتوفى: 683هـ) المتواري علي تراجم أبواب البخاري، تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد، مكتبة المعلا، الكويت، ص42.

Author: ibn alislam

اترك تعليقاً