تطبيق الشريعة الإسلامية .. على التدرج أو على الإلزام

مما لا شك فيه أن العالم الإسلامي حين كان في صدر التاريخ كان يسير وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لكل التشريعات ولكل الأنظمة ولكل القرارات، وكل ما خالفها يُعارَض من العامة قبل الخاصة والعلماء، إلا أنه ومع القرون المتتالية وما أصاب العالم الإسلامي من ضعف وويلات، وسيطرة المستعمر، وما خلفه من بُعد وابتعاد عن الشريعة الإسلامية، واستبدال الأنظمة الحاكمة الشريعة الإسلامية بما يتوافق مع دساتير الدول الغربية، نتج عنه نوع من الاصطدام الحسي والمعنوي بين أفراد الشعوب الإسلامية وبين الأنظمة الحاكمة، وتكونت نتيجة هذه الاصطدامات أحزاب ومؤسسات ومنظمات داخل المجتمع الإسلامي تنادي بالحاكمية لله، وتطبيق الشريعة بشكل فوري وكامل، ونبذ القوانين الوضعية، هذه النداءات واجهتها الأنظمة الحاكمة بالقمع تارة، وبالحوار تارة أخرى، كما أن فئة ظهرت تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن على سبيل التدرج، وليس على سبيل الاستبدال الكامل للتشريع الوضعي بالتشريع الإسلامي مباشرة.
وقبل البدء في تصور مشكلة هذا المقال يحسن بي أن أعرف التدرج باختصار:
التطبيق الجزئي وفق مراحل للأحكام الشرعية للوصول إلى التطبيق الكلي لها، بما يكفل الحياة الكريمة للشعوب والمجتمعات والأقليات.

إذن فالحديث عن التدرج في تطبيق التشريعات الإسلامية، وليس في التدرج في التشريع، فالتشريع، حق محض لله عز وجل.

فهل التدرج في تطبيق التشريع الإسلامي مطلب، أم التطبيق الكلي للتشريع الإسلامي هو الصحيح؟
وهل النظام الوضعي كله كفر بالله سبحانه يستلزم التغيير المباشر، أو فيه تفصيل؟

ولعل ما قاله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يختصر كثيرا من الكلام: “اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضى تحكيمه الكفر بخالق السماوات والأرض، وبين النظام الذي لا يقتضى ذلك.
وإيضاح ذلك: أن النظام قسمان، إداري وشرعي.
أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، فهذا لا مانع منه ولا مخالف فيه من الصحابة فمن بعدهم، وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النَّبي ، ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط، ومعرفة من غاب ومن حضر،
فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لا بأس به، كتنظيم شؤون الموظفين وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع.
فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة.
وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض، فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف و أنهما يلزم استواؤهما في الميراث، وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السماوات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها، وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علواً كبيراً “.

ولعل ما أخلص إليه في هذه الأسطر، أن التدرج في التشريع أو إيكال الأمر للمجالس البرلمانية فهذا نوع من البعد العقدي عن الإسلام، أما التدرج في تطبيق الشريعة فعلى قسمين:
قسم لازم فوري متى حصلت القدرة على التغيير.
قسم يصح فيه التأني.
فمن الأول إلغاء كل ما فيه مخالفة صريحة للدين الإسلامي، كتحليل ما حرم الله.. أو تحريم ما أحل الله.. أو الحكم بما يخالف الحدود الشرعية.
ومن الثاني ما يمكن أن يجعل ضمن السياسة الشرعية التي ترجع فيه للقواعد الفقهية الدافعة للضرر والمقدمة للمصالح.

والله أعلى وأعلم

Share this content:

اترك تعليقاً